ثابت أبو الروس لـ«جسور بوست»: إسرائيل تنزف اقتصادياً بسبب الحرب
تخسر نحو مليار شيكل يومياً
بخسائر اقتصادية كبيرة اعتبرها محللون نزيفا في الاقتصاد الإسرائيلي، تدخل الحرب على قطاع غزة الأسبوع السادس، محملة بالكثير من الاحتمالات المفتوحة، جراء استمرار وكثافة القصف الجوي والاجتياح البري.
في ظل تلك الخسائر، التي قد تتفاقم بحسب الخبراء مع استمرار الاشتباكات دون وجود أي بوادر بشأن توصل الجانبين لاتفاق مبدئي بوقف إطلاق النار، يترقب العالم التداعيات المحتملة للحرب في الشرق الأوسط على مستقبل الاقتصاد العالمي.
وبخلاف قطاع غزة، تخوض إسرائيل قتالاً على مستوى أدنى على ثلاث جبهات إضافية وهي لبنان والضفة الغربية وسوريا، الأمر الذي من شأنه أن يجعل تعافي الاقتصاد الإسرائيلي أكثر صعوبة وتعقيدا، رغم الدعم الأمريكي المستمر والمتواصل.
وفي فجر 7 أكتوبر الماضي، أطلقت حركة حماس، عملية مباغتة ضد إسرائيل بإطلاق دفعات مكثفة من الصواريخ على مناطق إسرائيلية عدة، وتنفيذ عمليات تسلل في محيط قطاع غزة، في ما اعتبرته السلطات الإسرائيلية حربا ضد دولتها تستدعي الرد بغارات جوية على القطاع.
ورد الجيش الإسرائيلي بقصف جوي موسع على قطاع غزة في عملية أسماها بـ"السيوف الحديدية" تسبب في تدمير واسع للبنية التحتية والمباني المدنية والحكومية، فيما سقط آلاف القتلى والجرحى خلال المواجهات وأثناء العمليات العسكرية بين الجانبين.
"جسور بوست" حاورت الخبير والمحلل الاقتصادي وعضو الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين الدكتور ثابت أبو الروس، للاطلاع على وضعية الاقتصاد الإسرائيلي بعد أكثر من شهر على نزيف خسائر الحرب، والحدود الزمنية لقدرته على المقاومة، والخسائر المستقبلية غير المباشرة وغيرها.
** كشف البنك المركزي الإسرائيلي عن تكبد اقتصاد إسرائيل نحو 600 مليون دولار أسبوعيا بسبب نقص القوى العاملة.. كيف ترى خسائر تل أبيب من الحرب؟
إن ما تم ذكره من نتائج يمثل الخسائر المباشرة والمحسوبة "فقط" من قِبل الحكومة، والتي تؤثر بشكل مباشر على البيانات الرسمية، لكن هناك خسائر كبيرة جدا لم يتم حسابها حتى اللحظة الراهنة، وتتمثل في الخسائر التي تكبدها القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة وقطاع الزراعة، أما الخسائر غير المباشرة فتتمثل في الأضرار التي يمكن أن يتكبدها الاقتصاد مثل عدم رغبة السياح في التوجه إلى إسرائيل، وبالتالي ستكون هناك خسائر فادحة في قطاعات السياحة والفنادق والمحلات التجارية والنقل والمواصلات وغيرها، لذلك فإن الأرقام المذكورة الواردة في تقرير البنك المركزي الإسرائيلي تمثل فقط الحد الأدنى من الخسائر، وذلك لعدم رغبة الحكومة الإسرائيلية في خلق حالة ذعر لدى مجتمع المستثمرين.
أما فترة التعافي التي يحتاج إليها اقتصاد إسرائيل، فإنني أعتقد أن الحرب لو انتهت الآن ستكون على 3 مراحل متدرجة، أولها التعافي السريع لبعض القطاعات النشيطة مثل قطاع الزراعة والبناء خلال فترة تعافٍ تصل من 3 إلى 4 أشهر، أما المرحلة الثانية فهي تعافي قطاعات الإنتاج المختلفة حيث تركز إسرائيل بشكل كبير على التصدير أي أن المستثمر سيقوم بالبدء الفعلي بزيادة الإنتاج بهدف الحصول على الحصة السوقية المعتادة للاقتصاد الاسرائيلي، ومن المتوقع أن تصل دورة الإنتاج لهذا القطاع خلال فترة تتراوح من 6 أشهر إلى عام على أقصى تقدير، فيما ستمتد مرحلة التعافي الثالثة لما يزيد على عام، وذلك جراء حالة عدم اليقين في الاستقرار السياسي وانعدام الأمن، وفي هذه المرحلة ستكون أكثر القطاعات المتضررة قطاع السياحة والفنادق وغيرها من القطاعات الخدمية.
وفي ما يتعلق باحتمالات استمرار الحرب، فإن الأرقام الصادرة عن الجهات الإسرائيلية الرسمية تقدر الخسائر اليومية بنحو مليار شيكل (نحو 300 مليون دولار) وهو ما يعني مضاعفة نزيف الاقتصاد الإسرائيلي، وخاصة في قطاعات السياحة والزراعة والإنشاءات، كما أن غلاف قطاع غزة يقوم بتوفير نحو 75 بالمئة من السلة الغذائية للمحاصيل الزراعية لإسرائيل، وبالتالي فإن استمرار الحرب يعني حالة شلل وانكماش وتباطؤ في الاقتصاد الإسرائيلي، وبحسب تقديرات الخبراء فإن تكلفة الحرب ستصل إلى 200 مليار شيكل (نحو 60 مليار دولار).
ورغم نزيف الخسائر يعد اقتصاد إسرائيل من الاقتصادات القوية، ولديه القدرة على التحمل هذه التكاليف الباهظة لفترة تصل إلى عام كامل، إضافة إلى القوة الحامية للاقتصاد الإسرائيلي وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لن تتركه يتهاوى حتى يستعيد عافيته.
** هل نجحت إسرائيل في استغلال العمالة الفلسطينية كورقة ضغط لتحقيق المزيد من الاستيطان؟ وهل ستنجح في استبدال نحو 100 ألف عامل فلسطيني بعمال آسيويين؟
في ما يتعلق باستغلال إسرائيل العمالة الفلسطينية كورقة ضغط، فإنني أستبعد ذلك لأن علاقة التشغيل هي علاقة قائمة بين المُشغل الإسرائيلي والعامل الفلسطيني، ولا يوجد دور للحكومة أو الجهات الرسمية في تحديد أعداد وطبيعة العمالة الفلسطينية، ولكن المحدد الأساسي في هذا الموضوع هو تخصص العامل ومدى احتياج المُشغل الإسرائيلي له، إضافة إلى ذلك قامت إسرائيل بدراسة عدة خيارات كبديل عن العمالة الفلسطينية فوجدت أن تكلفة العمالة الأجنبية أعلى بكثير عن نظيرتها الفلسطينية، لا سيما أن العامل الأجنبي سيعمل على إخراج الدولار خارج إسرائيل، بالمقابل فإن العامل الفلسطيني سيتقاضى راتبه بالشيكل (العملة الإسرائيلية تعادل 0.26 دولار) ويقوم بصرفه في داخل مناطق السلطة الفلسطينية، وبالتالي تعود الفائدة على الاقتصاد الإسرائيلي مجددا.
وتشير التقديرات الرسمية إلى عبور نحو 200 ألف فلسطيني يومياً إلى إسرائيل أو المستوطنات اليهودية من أجل العمل، ويمثل متوسط رواتبهم أكثر من مثلي ما يحصل عليه من يعملون في هيئات وشركات تابعة للحكومة الفلسطينية.
** هل ضاعف الاجتياح البري لقطاع غزة حجم الخسائر الإسرائيلية؟ وإلى أي وقت يمكن أن يستمر؟
الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي بفعل الاجتياح البري ضخمة وذلك للأسباب التالية، أولها شكل وطبيعة الاجتياح وحالة اللا يقين التي أصبح عليها مستقبل اقتصاد إسرائيل، أما الأمر الثاني فيتمثل في الخسائر العسكرية والبشرية الكبرى التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي، فيما يشكل السبب الثالث أزمة معقدة جراء التكلفة المترتبة على استدعاء ما لا يقل عن 200 ألف جندي ومقاتل إسرائيلي من الاحتياط، حيث إن مشاركة الاحتياط في هذه المعركة ستعمل على إغلاق آلاف المشاريع والشركات الاستثمارية والتجارية، نظرا لأن جنود الاحتياط في الغالب هم عبارة عن أصحاب مشاريع وشركات ومنشآت صغيرة.
يأتي إلى جانب ذلك أن الاقتصاد الإسرائيلي أصلا أقر موازنة عام 2023 بعجز يقدر بنحو 600 مليون شيكل (نحو 180 مليون دولار)، ويتوقع أن يصل عجز موازنة عام 2024 إلى مئات المليارات من الشواكل، إضافة إلى الضرر الكبير الذي طرأ على قطاع التكنولوجيا والذي يشكل أحد أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تعد إسرائيل موطنًا لشركات كبرى في صناعة التكنولوجيا العالية ولديها واحدة من أكثر سكان العالم معرفة من الناحية التكنولوجية.
وللعلم فإن أزمة كورونا كبدت الاقتصاد الإسرائيلي نحو 160 مليار شيكل (نحو 50 مليار دولار)، وهي الأزمة التي تم تصنيفها بأنها "الأقوى" منذ ما لا يقل عن 50 عاما مضت على إسرائيل، لكن الحرب بحسب تقديرات الخبراء ستكلف اقتصاد إسرائيل ما لا يقل عن 200 مليار شيكل (نحو 60 مليار دولار) إضافة إلى الخسائر المستقبلية غير المباشرة.